جدلية الأنا (الذات) والاخر في طريق الإيمان: من التيه إلى الإصلاح"


جدلية الأنا (الذات) والاخر في طريق الإيمان: من التيه إلى الإصلاح"

بقلم عدنان مهدي الطائي

    في زمن مضطرب، تتكاثر فيه الأصوات، وتتضاءل فيه الروح، يصبح الرجوع إلى الذات ضرورة وجودية لا رفاهية فلسفية. ووسط هذا الزخم، يبرز تساؤل جوهريهل الإيمان يجب أن يكون مقترنًا بالموروث الديني، أم أنه ممكن كموقف عقليّ حرّ؟ أنا أؤمن بأن الإيمان يجب أن يكون مرتبطًا فقط بوجود الله، بعيدًا عن طقوس موروثة، أو تأويلات متناقضة..  يعني الإيمان في نظري ليس وحيًا مقدسًا يُتوارث، بل دالة عقلية تشير إلى معنى أسمى، لا يكتمل أثرها إلا حين تُترجم إلى تهذيب ذاتي وسلوك أخلاقي واع، ذلك لأنّ تعدد الديانات وتناقضاتها، حتى داخل الدين الواحد، يجعل من الصعب أن ننسبها

جميعا لإله واحد لا يعتريه التناقض.

      فالله، في تصوّري، هو خالق الوجود، ومصدر النظام، والغاية، أما ما سواه من فلسفات وشرائع وممارسات، فهي نتاج للعقل البشري الذي حاول على مر العصور أن يفسر ما لا يُفسر، وأن يقترب من الخالق بلغة بشرية محدود، وهذا محال. لكن الإيمان العقلي لا يُغني عن المعركة الأعمق: معركة الإنسان مع ذاته. فالذات، كما هو معروف، أمّارة بالسوء، ولا يُمكن أن تُثمر أخلاقًا نقية ما لم تُخضع للأدب والتهذيب.
     ومن هنا نصل إلى جدلية "الأنا والآخر"، التي ناقشتها الفلسفات الحديثة بعمق، من سارتر إلى هيغل إلى الفلسفة الصوفية. فحين تتضخم الأنا، يتحول الآخر إلى جحيم. وحين تتحرر الذات من الغيرة، ومن الوهم، يصبح الآخر مرآةً لتكاملنا، لا تهديدًا لنا.

   وإذا تساءلنا لماذا خُلقنا؟ فالجواب لا يكون إلا بخضوع السؤال لفلسفة السببية والعقل، لا للمرويات المتوارثة.. الله، في هذا السياق، هو السبب الأول، ولا يزال الخَلق مستمرًا، والعقل هو وسيلتنا لفهم وجودنا، لا لمجرّد الطاعة. من هنا، تصبح فلسفة الأخلاق هي الوجه العملي للإيمان الحقيقي. فلا معنى لإيمان، لا يهذّب النفس، ولا وجود لقيمة في طقوس، لا تغيّر من الأخلاق السيئة، اذن، هي امتحان الذات، وجهادها الأكبر، وطريقها نحو السلام، ونحن نعيش زمنًا استهلاكيًا، تغلب عليه الأنا، وتطغى فيه الغيرة، ويضيع فيه الصدق الداخلي. لذلك، فإن الإنسان الحديث يبقى تائهًا، ما لم يتخلّ عن الأنا المتضخمة، ويعود إلى ذاته، ليبدأ الإصلاح من الداخل. 

مقدمة الكاتب:

هذه المقالة نتاج تأملات شخصية عميقة، ومواقف فلسفية متراكمة، لا تفرض يقينًا، بل تفتح أبواب السؤال. كتبتها لا لأُعلّم، بل لأتعلّم مع القارئ، في رحلة الإنسان نحو ذاته، ونحو الله، بعيدًا عن صخب الجماعات وتناقضات النصوص. الإيمان بالنسبة لي ليس موروثًا ولا مقدسا، بل موقف وجودي عقلاني، لا يُثمر إلا إذا اقترن بإصلاح الذات والتهذيب الأخلاقي.

 

الخاتمة:

في النهاية، تبقى كل الأسئلة مفتوحة... فليس المطلوب أن نصل إلى أجوبة نهائية، بل أن نستمر في السير نحو الحقيقة، بصدق، وبتواضع.وربما، حين نصمت بعمق، نسمع صدى الله في داخلنا... لا في الصراخ حولنا.

 

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية