العراق بين عبث الواقع وإشراق الإيمان قراءة في مسرح الحياة العبثي

بقلم: عدنان مهدي الطائي

   في زمنٍ يُشبه المسرح، حيث تدور الحوارات وتُعاد بلا نتيجة، وتتحرك الشخصيات دون غاية، يعيش العراق منذ عقود طويلة مأساة لا تقل عبثًا عن مسرحية "انتظار غودو". شخصيات السياسة فيه بلا ملامح حقيقية، تدور في دوائر مغلقة من الوعود والفساد والمحاصصة، بينما الجمهور — أي الشعب — جالس في الظل، ينتظر خلاصًا لا يأتي، وأملًا يتبخر في كل انتخابات جديدة.

   لقد أصبحت الديمقراطية في العراق مثالاً صارخًا على الديمقراطية المسلفنة — كما نُسميها — وهي تلك الديمقراطية التي فُرضت من الخارج، من قبل الهيمنة الأمريكية، لا لتمنح الحرية والكرامة، بل لتُقسّم المجتمع وتُثبّت الفساد، وتُغرق البلاد في وحل الطائفية والانقسام. إنها ديمقراطية من دون ديمقراطيين، مثلها مثل العبث الذي يُغلف الحياة اليومية: 

- لا قيم واضحة، 

- لا أهداف جامعة، 

- لا تطور إنساني حقيقي. 

أصبح المواطن العراقي متعبًا، مجوّفًا من الداخل، يعيش حالة سبات واستسلام، وكأن الروح فيه تآكلت من كثرة الانتظار، من كثرة "غودوات" السياسة والدين والمستقبل الذين لا يأتون أبدًا. وفي هذا الواقع، تظهر قيمة (مسرح العبث) ليس كفن فقط، بل كمرآة شديدة القسوة لحقيقة نعيشها. فالعبثية تهدم المنطق، وتكشف زيف الأنظمة الكبرى، وتُسقط الأيديولوجيات التي تُلبس الكذب ثوب الحق.. ولكن، في خضم هذا الانهيار، يتسلل صوت آخر، بسيط جدًا، لكنه عميق جدًا... إنه صوت المؤمن الحقيقي، الذي يقول: "إن شاء الله." في هذه الكلمة الصغيرة، تكمن قوة لا يملكها العبثيون ولا الساخرون من المعنى. لأن قول "إن شاء الله" لا يعني الخضوع للواقع، بل يعني (التصالح مع المعنى، مع القيم الكبرى، مع الله، مع الحكمة التي لا نراها في لحظة الغضب).

إن مجرد قولك "إن شاء الله"، هو في حد ذاته تمرّد على العبث، وكسر لأحد أعمدته الكبرى: نفي المعنى.. وهنا يكمن الأمل، ليس في الثورات الفوضوية، ولا في خطب الساسة، بل في عودة الإنسان إلى المعنى، إلى الإيمان، إلى الله... 

    فالإيمان لا يعني الخرافة، بل وعيًا راقيًا بوجود حكمة عليا، وقيمة عليا للحياة، حتى حين تبدو كل الأمور ظالمة وعديمة الجدوى. ولذلك، حين نقول إنه لا أمل الآن، فهذا لا يعني أن الأمل مات، بل إنه مؤجل، نائم، بانتظار من يوقظه... والجيل الجديد — وإن بدا ضائعًا — يحتاج فقط إلى آباء ثوريين، إلى كلمات صادقة، إلى من يرشده إلى معنى الحياة لا إلى شعاراتها.

    وفي الختام، إن (مسرح العبث) يُعلّمنا شيئًا مهمًا: إن لم نجد المعنى، فعلينا أن نخلقه. 

وما المعنى الأسمى سوى الله؟  وما الموقف الأكرم سوى الإيمان به، رغم كل شيء؟

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية