حقا هناك روح غبية؟
حقا هناك روح غبية؟
الطرح يحمل تطرفًا عاطفيًا، نعم، لكنه منطقي
من ناحية التعبير عن إحباط إنساني يواجهه كثيرون. وربما في حدة هذا الطرح، كان
توفيق يقصد الصدمة لإيصال الفكرة بوضوح: "ليس عليك أن تفهم أو تحب الجميع،
ولا أن يُفهمك الجميع". لكن الأجمل ربما أن نترك باب الاحتمال مفتوحًا، وأن
نؤمن أن بعض الأرواح لا تُفهم بسهولة، لكنها ليست بالضرورة غبية.
فان أردنا مناقشة الموضوع.. لابد ان نذهب الى تحليله جدليا من الناحية الديني ومن الناحية
الفلسفية، ونضع عنوانا يتمحور حوله الموضوع.
(غباء الروح بين الدين والفلسفة: محاولة للفهم لا للإدانة)
في أحد نصوصه المتأملة، يتحدث الدكتور أحمد
خالد توفيق عن "غباء الروح"، تلك الحالة التي يشعر فيها الإنسان بعدم
القدرة على التواصل مع بعض الأشخاص، مهما حاول. يصفهم بأن أرواحهم مغلقة بالشمع
الأحمر، ويذهب إلى حد التحذير من الاقتراب منهم، بل ويُفضِّل الابتعاد عنهم كأنهم
مصابون بالطاعون. يفرّق بين غباء العقل وغباء الروح، مؤكدًا أن الأخير لا يُحتمل،
ولا يُمكن التعايش معه. لكن هل هذا الموقف الحاد يمكن تبريره دينيًا أو فلسفيًا؟
أم أن في الأمر ظلمًا لما لا نفهمه؟
الدين: الرحمة أولًا
في المنظور الديني،
وتحديدًا في الإسلام، تُقاس قيمة الإنسان ليس بقدر ما يفهمه أو يُضحك به الآخرين،
بل بقدر ما يحمله من نية طيبة، وقلب سليم، وإحسان في التعامل. قال الله تعالى في
كتابه الكريم): ولا تستوي الحسنة ولا
السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (فصلت: 34.
هذا التوجيه الإلهي يحث على التعامل بالحسنى مع من يصعب التفاهم معهم، بل
وحتى من يعادينا، فما بالنا بمن لا يفهمنا فقط؟ فالدين يفتح لنا باب الرحمة
والتماس الأعذار، لا باب الإقصاء والنفور.. ثم إن النبي محمد كان يُصلي خلف أعرابيٍ حديث العهد بالإسلام، وكان يتعامل
مع الجاهل والمسيء بالرفق لا بالحكم عليه بغباء روحي أو معنوي. فهل نُجازف بإغلاق
الباب في وجه من لا يشبهنا لمجرد أنه لا يستوعب أسلوبنا أو لا يقدّر عواطفنا؟
الفلسفة: الفهم قبل الحكم
أما الفلسفة، فتميل إلى
تحليل "الاختلاف" لا رفضه. سارتر كان يقول إن "الآخر هو
الجحيم"، لكنه لم يقصد بذلك الدعوة إلى نبذ الآخرين، بل أراد التعبير عن
صعوبة وجودنا في عالم يفرض علينا أن نرى أنفسنا بعيون من لا يفهموننا. وفي المقابل، فإن فلاسفة مثل إيمانويل كانط ومارتن بوبر دعوا إلى إقامة
العلاقات الإنسانية على مبدأ "الاعتراف بالآخر، لا على مبدأ التفاهم المشترك
فقط. فالفيلسوف لا يشترط أن يفهم الآخر، بل يكفي أن يعترف بوجوده واحتمال اختلافه،
وأن يحاول فتح مساحات للمعنى، لا إغلاقها بالحكم المسبق.
اذن غباء الروح، كما عبّر عنه توفيق، قد يكون
في الحقيقة تعبيرًا عن ألم داخلي، عن خيبة في التواصل مع من نتوقع منهم أن يفهمونا
دون شرح. لكن الفلسفة تذكّرنا أن الاختلاف في الفهم لا يعني غباءً، بل قد يعني
أننا لم نقترب بما يكفي، أو أننا نحاكم الآخر بمعاييرنا الذاتية فقط.
النتيجة: بين الواقعية والتسامح
ما قاله أحمد خالد توفيق ليس هراءً ولا
تعاليًا، بل هو صرخة ذاتية تعبّر عن تجربة شخصية، يمكن فهمها وتقديرها. لكن من
منظور ديني وفلسفي، يجب أن نُعيد النظر في هذا التصنيف الحاد، وأن نطرح سؤالًا
أكثر رحمة: هل حقًا هناك أرواح غبية؟ أم أن هناك أرواحًا مُتعبة، غارقة في صمتها،
أو حبيسة تجاربها، لم تجد بعد من يربت عليها دون شروط؟ فالاقتراب من الإنسان لا
يتطلب دائمًا لغة مشتركة، بل قلبًا واسعًا. وقد تكون أعظم الأخطاء هي أن نحكم على
الأرواح من انطباعاتنا الأولى فقط.
عدنان الطائي
تعليقات
إرسال تعليق