انكسار الاله

 

انكسار الاله

شَعَرَ تِمثَالُ الحُبِّ بِالضَّجَرِ،
فَتَهَاوَتْ فِينُوسُ عَنْ قَاعِدَتِهَا الذَّهَبِيَّةِ،
تَارِكَةً خَلْفَهَا وُفُودَ الإِلَهِ زِيُوسَ،
وَأَنَاشِيدَ آلِهَةِ الخِصْبِ
تَصُمُّ الآذَانَ صَخَبًا،
وَطُهْرُهَا يَتَدَفَّقُ فِدْيَةً لِلرَّبِيعِ،
لِيُزْهِرَ البَنَفْسَجُ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ.

نَسَجَتْ مِنْ زَهْرِهِ إِكْلِيلَ زِفَافِهَا،
وَالجَمِيعُ يَتَفَرَّجُونَ،
يَتَسَاءَلُونَ بِصَمْتٍ مُرْبِكٍ:
مَنْ هُمَا العَرُوسَانِ؟

اهْتَزَّتْ أَرْكَانُ الصَّمْتِ،
فَاقْتَرَبَتْ فِينُوسُ بِخُطَى وَاثِقَةٍ،
تَتَمَايَلُ غِنْجًا،
تَسْتَعْرِضُ الجَمِيعَ كَمَلِكَةٍ فِي يَوْمِ التَّتْوِيجِ،
إِلَى أَنْ خَفَقَ قَلْبُهَا فَجْأَةً،
فَسَقَطَ مِنْ بَيْنِ أَضْلُعِهَا
أَمَامَ أُودِينُوسَ، وَسِيمِ اليُونَانِ.

اِنْجَذَبَتْ إِلَيْهِ،
وَبَدَتْ غَيْرَتُهَا نَارًا مُشْتَعِلَةً،
لَمْ يَأْبَهْ أَحَدٌ، سِوَى زِيُوسَ،
رَبِّ الأَرْبَابِ،
الَّذِي صَرَخَ بِصَوْتٍ مُلْتَهِبٍ:
"
لَقَدْ قُضِيَ الأَمْرُ!
إِلَيْكَ بِاسي
حَتَّى الهَلَاكِ!"

وَهَلَكَ أُودِينُوسُ.
سَقَتْ قَبْرَهُ مِنْ دُمُوعِهَا،
فَأَنْبَتَتْ عَلَيْهِ شَقَائِقَ النُّعْمَانِ،
وَتَرَعْرَعَتْ الأَرْضُ بِزَهْرِ الرَّبِيعِ،
إِلَى أَنْ صَعِقَ زِيُوسُ صَارِخًا،
فَزُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا،
وَتَهَاوَتْ أَعْمِدَةُ المَعْبَدِ.

"أَيْنَ وَلَدِي أُودِينُوسُ؟!"

فَأَجَابَتْهُ الرِّيحُ هَمْسًا:
"
فَرَّ مَعَ زَوْجَتِكَ، سَيِّدِي..."

فَارْتَعَدَ زِيُوسُ،
وَنَظَرَ إِلَى مَنْ حَوْلَهُ بِغَضَبٍ مُحْتَدِمٍ:
"
كَيْفَ تَجَرَّأَ أَنْ يَنَالَ مِنْ مَقَامِي؟"
لَكِنَّ الجُمُوعَ كَانَتْ سَاكِنَةً،
لَا تُصَفِّقُ إِلَّا لِلمُنْتَصِرِ!

تَلَاشَى طَيْفُهُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا
بَيْنَ سُحُبِ الدُّخَانِ،
يَجُرُّ أَذْيَالَ خَيْبَتِهِ،
يَتَجَرَّعُ كَأْسَ الغَدْرِ،
رَأْسُهُ مُطَأْطِئٌ،
وَقَلْبُهُ مَكْسُورٌ...
ثُمَّ هَدَأَ المَكَانُ.

عدنان الطائي

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية