الانسان الاله


الانسان الاله

المقدمة

    الإنسان الإله: تاريخ وجيز للمستقبل في عام 2016 نشر البروفيسور هزاري كتابه «الإنسان الإله: تاريخ وجيز للمستقبل»، وهو كتاب نال استحساناً كبيراً لدراسته التحولات الكبرى التي تواجه مستقبل البشرية في القرن الحادي والعشرين. يستنطق الكتاب ما يمكن أن يحدث للعالم حينما تقترن الأساطير القديمة بالتقنيات الحديثة ذات القدرات الخارقة، مثل الذكاء الاصطناعي والهندسة الجينية. ما هي المصائر التي تنتظر الإنسان بتحوله من إنسان عاقل إلى إنسان إله؟ ما الذي يتوجب علينا فعله، وكيف نحمي هذا الكوكب، بل كيف نحمي الإنسانية، من قدراتنا الخارقة على هذا الكوكب؟ يمنحنا كتاب «الإنسان الإله» لمحة كاشفة عن الأحلام والكوابيس التي سوف تشكل القرن الواحد والعشرين لسلالة البشر ما بعد الإنسان.

فكرة الكتاب الأساسية:

  يُعد "الإنسان الإله" استكمالًا لكتاب المؤلف هزاري السابق "العاقل: تاريخ مختصر للجنس البشري، حيث يتناول في هذا العمل تطور الإنسان مستقبلاً، بعد أن تجاوز في العصر الحديث العديد من التهديدات الكبرى مثل المجاعة، الأوبئة، والحروب الكبرى.

المحاور الرئيسية للكتاب:

1.  الإنسان في الماضي والحاضر:

o       يعرض كيف أن الإنسان تمكّن من السيطرة على الطبيعة وترويضها عبر التكنولوجيا والعلم.

o       يشرح كيف بدأت القيم الإنسانية تتغير مع تطور المجتمعات، خاصة في ظل الليبرالية الحديثة.

2.  صعود "الإنسان الإله:

o       يناقش احتمالية أن يصبح الإنسان شبيهًا بالإله من خلال امتلاك قدرات خارقة بفضل الذكاء الاصطناعي، والهندسة الجينية، وتكنولوجيا النانو.

o       يُحذر من أن هذا التطور قد لا يكون لصالح الإنسانية دائمًا، بل قد يخلق "نخبًا خارقة" بينما يتراجع دور الإنسان العادي.

3.  مستقبل الأخلاق والمعنى:

o       يُثير تساؤلات فلسفية عميقة حول معنى الحياة عندما يصبح الإنسان قادرًا على تجاوز الموت والمرض.

o       يطرح مخاوف حول فقدان الحرية الفردية نتيجة تطور الخوارزميات التي قد تعرف الإنسان أفضل من نفسه.

لماذا يحمل العنوان "الإنسان الإله"؟

  لأن المؤلف يرى أن الإنسان الحديث يسعى لاكتساب صفات الآلهة: مثل الخلود، السعادة المطلقة، والسيطرة على كل شيء، وبالتالي فإن هذا التحول يطرح تحديات أخلاقية وإنسانية ضخمة.

دراسة نقديه لفكر الانسان الاله

أولًا: النزعة التكنولوجية المفرطة

النقد:
  هراري يُبالغ أحيانًا في تقدير قدرة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على تغيير الإنسان جذريًا. يتحدث عن احتمالات مثل الخلود، وتحويل البشر إلى "كائنات ما بعد الإنسان"، وكأنها مسألة وقت فقط، دون مراعاة التحديات الأخلاقية، والقيود البيولوجية، والاقتصادية، والسياسية.

الرد المقابل:

 بينما التقدم التكنولوجي مذهل، إلا أن ربطه بتنبؤات شبه دينية عن "الإنسان الإله" قد يدخل في باب الخيال العلمي أكثر من الواقع العلمي.

ثانيًا: نزع المعنى الروحي والديني من التاريخ

النقد:
  هراري يتبنى رؤية مادية علموية للتاريخ والإنسان، ويُقلّل من دور الدين، ويراه مجرد "قصة مختلقة" ساعدت على تنظيم المجتمعات، لكنه في الغالب يتجاهل الأبعاد الوجودية والروحية للدين، التي لا يمكن اختزالها في أدوار اجتماعية أو سياسية.

الرد المقابل:

 هذا الطرح يلقى انتقادات من فلاسفة ومؤرخين يعتبرون أن هراري يُفرط في تبسيط ظواهر معقدة مثل الإيمان، وكأنه يضع جميع الأديان في خانة واحدة ويقيّمها من منظور علمي بحت، متجاهلًا عمق التجربة الإنسانية فيها.

ثالثًا: نظرة تشاؤمية للحرية البشرية

النقد:
   في بعض مقاطعه، يوحي هراري بأن حرية الإنسان مجرد وهم، وأن الخوارزميات قريبًا ستعرفنا أكثر من أنفسنا، بل وستتخذ القرارات نيابة عنا. هذه الفكرة تقلل من دور الإرادة الحرة، والإبداع، والمسؤولية الأخلاقية.

الرد المقابل:

رغم أن الذكاء الاصطناعي يتطور بسرعة، إلا أن الإنسان لا يزال يتميز بالوعي والنية والمعنى، وهي أمور لم تفهمها الخوارزميات بعد. 

رابعًا: تبني رؤية نُخبوية للمستقبل

النقد:
  هراري يُلمّح إلى أن المستقبل سيكون من نصيب "نخبة تكنولوجية" تملك المعرفة والمال، بينما قد تتحول الأغلبية إلى "طبقة غير مفيدة". هذا الطرح قوبل بانتقادات واسعة لأنه يعكس تصورًا غير إنساني، يتعامل مع البشر وكأنهم أدوات إنتاج أو عبء اقتصادي فقط.

الرد المقابل:

 النقد هنا أخلاقي بالدرجة الأولى: فالفكر الإنساني لا يقبل بتقسيم البشر حسب "الفائدة"، ولا يُسلّم بمستقبل تُصاغ قيمته حسب التكنولوجيا فقط.

خلاصة النقد:

فكر هراري مثير، لكنه:

  • يميل إلى الحتمية العلمية بشكل مبالغ فيه.
  • يُقصي البعد الروحي والأخلاقي من معادلة الإنسان.
  • يركّز على المستقبل برؤية تشاؤمية تجاه الحريات والهوية البشرية.
  • يحمل خلفية علمانية ليبرالية غربية، تُعبّر عن حضارة معينة وليس عن الإنسانية جمعاء.

     مع ذلك، لا يُمكن إنكار أنه أثار نقاشًا عالميًا هامًا حول شكل المستقبل، وجدوى التقدم، وحدود العلم.

مقارنة بينه وبين مفكرين آخرين مثل عبد الوهاب المسيري أو طه عبد الرحمن

هذه المقارنة تتحدث عن الرؤية للإنسان، والتاريخ، والتكنولوجيا، والدين، والغاية الوجودية. 

أولًا: الرؤية للإنسان

المفكر

رؤية الإنسان

هراري

الإنسان ككائن بيولوجي تطوّري، خاضع لقوانين الطبيعة، لا يتميّز جوهريًا عن الحيوانات سوى بالقدرة على خلق "الخيال المشترك" (كالدين، والنقود، والسلطة). يسير نحو أن يصبح "إلهًا" عبر العلم.

المسيري

الإنسان كائن مركّب، يحمل بعدًا ماديًا وروحيًا، يتميّز بالقدرة على المعنى والضمير والمسؤولية الأخلاقية. يرفض اختزال الإنسان في الحيوان أو الآلة.

طه عبد الرحمن

الإنسان ككائن مكرّم بالروح والعقل والإرادة الأخلاقية، وهو في جوهره "فاعل أخلاقي"، غايته السمو الروحي. المعرفة لا تُفصل عن الأخلاق، ولا عن التزكية.

 

ثانيًا: الموقف من الدين

المفكر

الموقف من الدين

هراري

يرى الدين كـ"سردية بشرية"، ساعدت في تنظيم المجتمعات، لكنه فقد دوره بعد صعود العلم. يعتبر الأديان القديمة "تقنيات اجتماعية قديمة".

المسيري

يعتبر الدين أحد أركان "الرؤية الإنسانية"، لأنه يمنح المعنى، ويوازن بين المادة والروح. يرى أن فصل الدين عن الحياة أنتج الحداثة المادية التي تسلّع الإنسان.

طه عبد الرحمن

الدين هو مصدر الحكمة الحقيقية، وهو طريق للارتقاء الأخلاقي والوجودي. يرفض تحويل الدين إلى أداة سياسية أو اجتماعية فقط، ويركّز على "التديّن التخلقي".

 

ثالثًا: نظرتهم للتاريخ والتقدم

المفكر

التاريخ والتقدم

هراري

التاريخ سلسلة من الصراعات من أجل السيطرة، ويعتبر أن التقدم هو نتاج العلم والتكنولوجيا، لكنه يعترف أن ذلك قد يؤدي إلى تهديد القيم الإنسانية.

المسيري

التاريخ ليس خطًا واحدًا، ولا التقدم ماديًا فقط، بل يجب أن يُقاس بمدى تحقق العدالة والمعنى. ينتقد النموذج الغربي القائم على "التراكم والهيمنة".

طه عبد الرحمن

التاريخ الحقيقي هو تاريخ "الترقي الأخلاقي"، أما التقدم الحقيقي فهو "تقدّم في الإنسانية"، وليس فقط في الصناعة أو السيطرة. يدعو لـ"التقدم المزدوج": تكنولوجي وأخلاق

 

 

 

 

رابعًا: موقفهم من العلم والتكنولوجيا

المفكر

العلم والتكنولوجيا

هراري

يُمجّد العلم، ويرى فيه وسيلة للسيطرة على الطبيعة وتطوير الإنسان، بل والتحوّل إلى ما بعد الإنسان (transhumanism). يحذّر من الخوارزميات، لكنه لا يطرح بديلًا أخلاقيًا واضحًا.

المسيري

يقدّر العلم، لكنه ينتقد "العلمانية الشاملة" التي تنزع القيم. يُفرّق بين العلم كأداة، والعلم كعقيدة. يخاف من هيمنة التقنية على الإنسان وعلمنته بالكامل.

طه عبد الرحمن

يُميز بين العلم المحايد والعلم المؤدلج. يرفض استعمال العلم ضد الإنسان، ويدعو إلى "أنسنة التكنولوجيا"، أي ضبطها بالأخلاق والنية الطيبة.

 

خامسًا: الغاية من الوجود

المفكر

الغاية من الوجود

هراري

لا يؤمن بغاية كونية ثابتة، يرى أن الإنسان يخلق معناه الخاص، وربما غايته المستقبلية هي تجاوز نفسه.

المسيري

يرى أن للوجود معنى وغاية، تتمثل في بناء حياة إنسانية عادلة متوازنة، تحترم الكرامة وتفتح أفق الخلاص الأخلاقي.

طه عبد الرحمن

الغاية القصوى للإنسان هي "العبودية المحبة" لله، من خلال التزكية، والعمل، والنية الصادقة، والتخلق

خلاصة المقارنة:

  • هراري يمثل نموذجًا حداثيًا علمانيًا ماديًا غربيًا.
  • المسيري يقف في موقع النقد من داخل الحداثة، مدافعًا عن الإنسان ككائن أخلاقي وروحي.
  • طه عبد الرحمن يتبنى رؤية فلسفية إيمانية متأصلة، تهدف إلى إعادة تأسيس المعرفة من منطلق أخلاقي وروحي

والان أحاول ان أقدم تلك المقارنة بشكل مقالة فلسفية تحليلية بين الإنسان الإله والإنسان الأخلاقي: قراءة نقدية في فكر يوفال هراري مقابل المسيري وطه عبد الرحمن

    في زمن تتسارع فيه التحولات التكنولوجية والعلمية، وتتصاعد فيه الأسئلة حول مصير الإنسان وحدود العلم، تبرز أطروحات المفكر الإسرائيلي يوفال نوح هراري كأحد أبرز الأصوات العالمية التي تتنبأ بمستقبل "ما بعد الإنسان". لكنه في الوقت نفسه يواجه نقدًا فلسفيًا ومعرفيًا عميقًا من مفكرين أمثال عبد الوهاب المسيري وطه عبد الرحمن، اللذين يمثلان تيارًا عربيًا إسلاميًا يسائل الحداثة من داخلها، ويعيد الاعتبار للإنسان ككائن روحي وأخلاقي.

الإنسان في مرآة العلم: هراري ونهاية الأسطورة

  يتبنى هراري في كتبه، خصوصًا العاقل والإنسان الإله، رؤية مادية للتاريخ والإنسان، قوامها أن البشر تطوروا بيولوجيًا، ثم أنتجوا "سرديات خيالية" مثل الدين والقومية لتنظيم حياتهم. لكنه يعتقد أن هذه "الخرافات الكبرى" قد انتهت صلاحيتها، وأن التقدم العلمي، خصوصًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، سيجعل الإنسان قادرًا على تعديل ذاته، بل ربما على التحول إلى "إله" يصنع الحياة والموت.

  هذه الرؤية، وإن كانت مثيرة ومبنية على معطيات علمية واقعية، إلا أنها تختزل الإنسان في بعده البيولوجي والوظيفي، متجاهلة أبعاده الأخلاقية والروحية، كما أنها تطرح مستقبلًا لا يخلو من التهديدات الأخلاقية والاجتماعية، حيث تتحدث عن نخب تتحكم في مصير البشر، و"طبقات غير مفيدة" قد تُقصى من معادلة الحضارة القادمة.

المسيري: الإنسان في مواجهة التغوّل المادي

   في مواجهة هذا التبسيط المادي، يقف عبد الوهاب المسيري ناقدًا الحداثة الغربية من موقع إنساني عميق. فهو لا يرفض العلم، لكنه يرفض "العلمانية الشاملة" التي تجعل من الإنسان كائنًا آليًا لا غاية له سوى المتعة أو الإنتاج. يرى المسيري أن الحداثة المادية تفكك الإنسان وتُفرغه من المعنى، وتُحوّله إلى شيء يُقاس بمنفعته، ويُستخدم مثل الأدوات. يُعيد المسيري الاعتبار لفكرة الإنسان "المُتجاوز" للواقع المادي، الحامل لقيم، ولمعنى أخلاقي يجعل من حياته مشروعًا إنسانيًا متكاملًا. إنه لا يعارض التقدم، لكنه يُصرّ على أن معيار التقدم يجب أن يكون إنسانيًا، لا فقط تقنيًا.

طه عبد الرحمن: الإنسان باعتباره كائنًا أخلاقيًا

   أما طه عبد الرحمن، فيتخذ مسارًا أكثر فلسفيًا وروحيًا، حيث يرى أن جوهر الإنسان لا يتمثل في العقل الحسابي أو السيطرة على الطبيعة، بل في القدرة على *التخلّق*، أي التشبه بالخُلق الإلهي. الإنسان عنده ليس كائنًا مفكرًا فقط، بل فاعلًا أخلاقيًا، يعيش ضمن علاقة مع الخالق والخلق، تؤطرها القيم والإرادة الحرة.

   طه عبد الرحمن ينتقد "الحداثة المنفلتة" التي تفصل بين العلم والأخلاق، ويقترح ما يسميه "التقدم المزدوج"، حيث لا قيمة لأي تقدم مادي ما لم يرافقه ارتقاء في السلوك الإنساني والنية الصادقة.

من الإنسان الإله إلى الإنسان الأخلاقي: سؤال المعنى والغاية

   ما يجمع المسيري وطه عبد الرحمن، رغم اختلاف منهجيهما، هو رفضهما لفكرة أن الإنسان يمكن اختزاله في قدرته على السيطرة أو الإنتاج. فبينما يسير هراري في طريق "الإنسان الإله"، يُذكّرنا المسيري وطه بـ"الإنسان الأخلاقي" – ذاك الكائن الذي لا يجد غايته في التفوق البيولوجي أو الذكاء الخوارزمي، بل في المعنى، والمحبة، والعطاء، والخشوع.

   هراري قد يكون نبيًّا تكنولوجيًا لعصر ما بعد الإنسانية، لكنه يغفل عن سؤال بسيط: هل يمكن أن يوجد تقدم حقيقي من دون أخلاق؟ وفي المقابل، يصرّ مفكرونا على أن أي مشروع حضاري يفصل بين الأخلاق والعلم، بين الإنسان والروح، سيقودنا إلى مستقبلٍ يشبه الجحيم أكثر مما يشبه الجنة التي يعد بها أنصار التكنولوجيا المطلقة.الخاتمة:

   يبقى الصراع بين "الإنسان الإله" و"الإنسان الأخلاقي" أحد أبرز تجليات الصراع بين الرؤى الحديثة وما بعد الحداثية، وبين نزعة السيطرة ونزعة التزكية. ولعل الواجب الفلسفي اليوم هو إعادة التفكير في معنى التقدم، وفي هوية الإنسان في زمن تُعاد فيه صياغته، لا في المختبرات فقط، بل في المخيال العالمي أيضًا.

عدنان الطائي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية