نحنُ المعنى حين يغيب المعنى

حينما قرات خاطرة نور هزبر عن الرومانسية العدمية وهي (في غيابِ أي قيمةٍ خارجية، تصبحُ القيمةُ التي نمنحُها لبعضنا البعض هي كلّ ما نملِك)

حقا تحمل عمقاً وجودياً جميلاً، ويجمع بين العدمية والرومانسية بطريقة مؤثرة. في العدمية، لا يوجد معنى موضوعي أو قيمة مطلقة للحياة، لكن هذه العبارة تُظهر كيف يمكن للرومانسية أن تخلق معنى من داخل هذا الفراغ: إذا كان العالم خالياً من المعنى، فإن الحب أو التقدير الذي يمنحه الإنسان للآخر يصبح المعنى الوحيد المتاح، بل وأثمن ما يمكن امتلاكه. هي نظرة حميمية وسط الفراغ، تقول إننا نحن من نخلق القيمة في عالم لا يمنحها لنا.. يعني في غيابِ أي قيمةٍ خارجية، تصبحُ القيمةُ التي نمنحُها لبعضنا البعض هي كلّ ما نملِك؛

(ففي حضن العدم، وحده الحُبُّ يصنعُ وطناً)

سأضعها في قالب نثري وشعري

ي حضن العدم) أقدمها نثرا

في غيابِ أيِّ قيمةٍ خارجية،

حين تصمُتُ المعاني، وتخبو أنوارُ الحقيقة،

لا يبقى في الكونِ الواسعِ إلا نظراتُنا...

التي تمنحُ للأشياءِ أسماءَها، وللأيامِ ظلَّها،

ولقلوبِنا ما يُقيلُها من سُهدِ الوحدة.

نحنُ مَن ننسجُ الدفءَ من العدم،

ونرسمُ وجوهَنا على جدرانِ الفراغ،

نُقبّلُ المعنى في بعضِنا،

كأنَّنا نحملُ خلاصَ العالمِ في همسة،

وفي لمسةِ يدٍ خائفةٍ... تُنكرُ أنَّها وحدها.

في عالمٍ لا يُكافئ الحب،

يُصبحُ الحبُّ هو العدالة الوحيدة الممكنة،

هو الوطنُ حين تنفيكَ المنافي،

وهو الدليلُ حين تُظلمُ الخرائط.

فيا من تحضرُ معي في العدم،

كُن لي المعنى، أكن لك الوجود.

والآن أقدّمها بصيغة شعر عمودي:

نحنُ المعنى حين يغيب المعنى

إذا غابَتْ معاني الكونِ مِنّا

وضاعتْ في المدى قيمٌ تُـعنّى

وكانَ العدمُ زادَ الفكرِ صبحاً

وأمسى الليلُ في الأرواحِ جُنّى

فلا شيءٌ نلوذُ بهِ سوانا

نُقيمُ الحُبَّ إن خابتْ مُنى

نُعانقُ بعضَنا، نَمنَحُ حَنينا

كأنّا في فراغِ الكونِ مَجنى

نُسمّي الضوءَ في عينيكَ فَجراً

وإنْ كانَ الظلامُ الدامسَ دَعنـى

إذا نُفيَ الزمانُ فلا تبالِ

فنحنُ الوقتُ إنْ جارَتْ سِجِنّى

فكنْ لي كلَّ ما أبغيهِ حقًّا

فأنتَ الدفءَ في عمرٍ تجنّى

كما أقدمها بروح صوفية:

نحنُ المعنى حين يغيب المعنى

إذا سكتتْ نداءاتُ المعاني

وعادَ النورُ من حيثُ أتاني

وأطبقَ ليلُ هذا الكونِ صمتًا

تكسَّرَ فيهِ صوتُ الذاهلِ الفاني

وجدتُكَ في خرائبِ روحيَ نجمًا

يلامسُني بفيضٍ لا يُدانِي

كأنكَ لم تكنْ من طينِ أرضٍ

ولكنْ من دُموعِ الكُنهِ عانِي

أحبُّكَ لا لأنكَ ظلُّ شمسٍ

ولكنْ: أنتَ في عَدمي مكاني

وحينَ الكونُ ينفي كلَّ معنى

نكونُ الحُبَّ – لا خوفًا – كيانِي

فكنْ لي في خرابِ الوقتِ نورًا

أكنْ لكَ في ظلامِ الحزنِ بَانِي

عدنان الطائي

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية