مسرح العبث


    مسرح العبث، المعروف أيضًا بالمسرح العبثي أو Theatre of the Absurd، هو تيار مسرحي نشأ في منتصف القرن العشرين، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث عبّر عن إحساس الإنسان بالعبث واللاجدوى في عالم يفتقر إلى المنطق والنظام. ظهر هذا التيار كرد فعل على الدمار والفوضى التي خلفتها الحرب، وعكس حالة القلق الوجودي واليأس التي سادت في ذلك الوقت.

أهم خصائص مسرح العبث:

1.  العبث واللاجدوى: تدور أحداث المسرحيات العبثية حول شخصيات تعيش في عالم بلا معنى، حيث تفتقر إلى هدف واضح أو غاية محددة.

2.  الحوار غير التقليدي: غالبًا ما يكون الحوار متقطعًا، غير منطقي، ويمتلئ بالتكرار، مما يعكس تفكك التواصل البشري.

3.  الأحداث غير المنطقية: لا تتبع الحبكة نمطًا دراميًا تقليديًا، حيث يمكن أن تتكرر الأحداث أو تتخذ مسارات غير متوقعة.

4.  غياب التسلسل الزمني الواضح: الزمن في هذه المسرحيات غير خطي، وقد يبدو أن الأحداث تدور في حلقة مفرغة.

5.  الكوميديا السوداء: رغم الطابع المأساوي، يستخدم مسرح العبث السخرية والكوميديا السوداء للتعبير عن عبثية الحياة.

6.  المكان الغامض: غالبًا ما تدور الأحداث في أماكن مجردة أو غير محددة المعالم، مما يعزز الإحساس بالاغتراب والضياع. 

أبرز كتاب مسرح العبث:

  • صمويل بيكيت (Samuel Beckett) – أشهر أعماله في انتظار غودو (Waiting for Godot)، حيث تدور المسرحية حول شخصيتين تنتظران غودو الذي لا يأتي أبدًا.
  • أوجين يونسكو (Eugène Ionesco) – كتب مسرحيات مثل الكراسي (The Chairs) والمغنية الصلعاء (The Bald Soprano)، حيث يسخر من اللغة والتواصل الإنساني.
  • جان جينيه (Jean Genet) – مثل الخادمات (The Maids)، التي تعرض عالمًا يختلط فيه الواقع بالوهم.
  • هارولد بنتر (Harold Pinter) – مثل حفل عيد الميلاد (The Birthday Party)، حيث يخلق جوًا من الغموض والتهديد.الرسالة الفلسفية:

يتأثر مسرح العبث بفلسفة العبث لدى ألبير كامو، التي ترى أن الإنسان يبحث عن معنى في عالم لا معنى له، وأن الحل هو تقبل هذا العبث دون وهم الخلاص أو التفسير النهائي.

تأثير مسرح العبث:

رغم أن هذا التيار لم يعد بنفس قوته في المسرح الحديث، إلا أنه أثر في العديد من المدارس الفنية والأدبية، كما أنه ما زال يلهم الأعمال الدرامية والسينمائية التي تتناول فكرة العبث واللاجدوى.

من هو مؤسس المسرح؟

   صمويل بيكيت ليس مؤسسًا لمسرح العبث، لكنه يعد أحد أبرز رواده وأكثرهم تأثيرًا. مصطلح "مسرح العبث" تمت صياغته لاحقًا من قبل الناقد المسرحي مارتن إسلين في كتابه The Theatre of the Absurd عام 1961، حيث جمع فيه مجموعة من الكتّاب الذين تتشابه أعمالهم في عرض فكرة العبث واللاجدوى، ومن بينهم بيكيت، أوجين يونسكو، جان جينيه، وآخرون.

لماذا يُنظر إلى بيكيت كأهم رموز مسرح العبث؟

1.  عمله الأشهر، "في انتظار غودو" (1953)، أصبح رمزًا لمسرح العبث، حيث يتجلى فيه غياب الحبكة التقليدية، والحوار المتكرر، والشخصيات العاجزة التي تنتظر دون جدوى.

2.  أسلوبه المسرحي يعتمد على التلاعب باللغة، الصمت، والسخرية من الوجود، مما أثر بعمق في الحركة العبثية.

3.  تأثره بالفلسفة الوجودية، خاصة أفكار ألبير كامو وسارتر حول العبث واللاجدوى.

إذن، من هو المؤسس الحقيقي؟

مسرح العبث لم يكن له "مؤسس" واحد، بل نشأ كرد فعل جماعي على الفوضى التي خلفتها الحرب العالمية الثانية. يمكن اعتبار صمويل بيكيت رائدًا أساسيًا، لكنه لم يكن المؤسس الوحيد. الحركة تطورت بفضل مساهمات عدة كتّاب مثل أوجين يونسكو، جان جينيه، وآرثر آدموف، الذين قدموا أعمالًا عبثية بطرق مختلفة.

بالتالي، بيكيت ليس المؤسس، لكنه الأب الروحي للحركة وأكثر من جسد مفهوم العبث في المسرح الحديث.

عدنان الطائي

  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية