الطمأنينة كمرآة للحقيقة: رحلة الوعي من القلق إلى السلام الداخلي

 


معظم الناس لا يبحثون عن الحقيقة، بل يبحثون عن الطمأنينة
كارل جونغ
من المنطق ان نقول أن معرفة الحقيقة وحدها كافية لجلب الطمأنينة، لان الطمأنينة من تجليات الحقيقة، لكن كارل يونغ يرى أن الأمر ليس بهذه البساطة. في كثير من الأحيان، الحقيقة تكون مزعجة أو قاسية، بينما الطمأنينة تأتي من تصورات قد تكون وهمية لكنها مريحة نفسيًا. الناس لا يبحثون عن الحقيقة بقدر ما يبحثون عما يمنحهم الشعور بالأمان والاستقرار. على سبيل المثال، بعض الأشخاص يفضلون الإيمان بمعتقدات دينية أو أيديولوجيات معينة، حتى لو لم تكن مدعومة بأدلة قوية، لأنها تمنحهم إحساسًا بالمعنى والراحة. بينما الحقيقة قد تكون مربكة أو تتطلب مواجهة واقع صعب. بمعنى آخر، الطمأنينة قد تأتي من تصديق "حقيقة مريحة" وليست بالضرورة الحقيقة المطلقة. لكن الإنسان الذي يملك شجاعة مواجهة الحقيقة وتحمل نتائجها، قد يصل إلى طمأنينة مختلفة، قائمة على القبول وليس على الوهم. السؤال هنا: أي نوع من الطمأنينة يفضل الإنسان؟ طمأنينة مطلقة ام طمأنينة نسبية
بالضبط! نحن في حيرة من امرنا.. إذا كانت كل الأشياء نسبية، بما في ذلك الحقيقة والطمأنينة، فسيختلف فهم كل شخص لهما حسب منظوره وتجربته. الحقيقة قد تكون نسبية لأنها تعتمد على إدراك الفرد وسياقه الثقافي والمعرفي، وكذلك الطمأنينة التي لا تأتي من نفس المصدر للجميع.
اذن يمكننا صياغة فلسفة جدلية للحقيقة والطمأنينة من خلال بناء إطار فلسفي يعتمد على تناقضهما الظاهري ومحاولة التوفيق بينهما. وبالتالي، يمكننا القول إن الحقيقة والطمأنينة في صراع مستمر، لكن هذا الصراع يمكن تجاوزه إذا استطعنا تحقيق التوازن بين معرفة الحقيقة وتقبلها بوعي عميق، مما يولد لنا هنا سؤال في صميم الجدلية : هل التوازن الذي يفضي إلى السكينة، ليس الا، سوى استسلام للواقع؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يعني ذلك أن السكينة لا تتحقق إلا عبر نوع من الرضوخ؟ أم أن المواجهة، رغم ما تسببه من قلق، هي السبيل إلى طمأنينة أعمق؟ في الحقيقة، التوازن الذي أقصده ليس استسلامًا سلبيًا، بل هو تصالح واعٍ مع الواقع، حيث لا يكون الإنسان أسيرًا للوهم، ولا ضحية لقلقٍ مستنزف.
عدنان الطائي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية