الاعتذار السياسي: قناع الفشل وتبرير العجز في العراق
احذر من أولئك الذين يعتذرون سريعاً، فهم
غالبًا يفعلون ذلك لإنهاء المحادثة، وليس لأنهم يقصدون الاعتذار.
باولو
كويلوا
أيها السادة في العراق، ليس كل اعتذار يعني
اعترافًا حقيقيًا بالخطأ، وليس كل كلمة "أنا آسف" تحمل في طياتها نيةً
صادقةً لإصلاح العلاقة أو معالجة الخلل. إننا نعيش في زمنٍ أصبح فيه الاعتذار
أداةً تُستخدم أحيانًا لا للتصحيح، بل للهروب، لا للتفاهم، بل لإنهاء الحديث
وإسكات الطرف الآخر.
أيها السادة في العراق،
كما هو حال الأفراد، كذلك تفعل الأنظمة الفاشلة، تلجأ إلى الاعتذار والتبرير
كوسيلةٍ لتجميل عجزها، لا كاعترافٍ صادقٍ بالمسؤولية. نسمع في كل أزمةٍ وعودًا
زائفة، وأعذارًا لا تنتهي: "نحن في مرحلة انتقالية"، "التحديات
كبيرة"، "نحتاج إلى مزيد من الوقت"، وكأن الزمن يُمنح بلا حساب،
وكأن الشعوب خُلقت لتنتظر إلى الأبد!
وإن كان للعذر السياسي وجهٌ، فإن العراق اليوم
هو خير مثالٍ على ذلك. منذ عام 2003، والأنظمة المتعاقبة لا تُقدم للشعب سوى
التبريرات بدلًا من الحلول، الأعذار بدلًا من الإصلاحات.
كم مرةً قيل لنا إن
العراق بحاجةٍ إلى وقتٍ أطول لتحقيق الاستقرار، بينما يتفاقم الفساد وتُنهب
الثروات علنًا؟
كم مرةً وعدونا بتحسين
الخدمات الأساسية، بينما تغرق مدننا في الظلام والمياه الملوثة والطرق
المهترئة؟
كم مرةً سمعنا عن
محاربة الفساد، بينما نرى الفاسدين يزدادون ثراءً، والفقراء يزدادون جوعًا؟
كم مرةً اعتذروا عن
تأخير الرواتب وانهيار الاقتصاد، بينما تستمر طبقة سياسية فاسدة في التمتع
بامتيازاتها؟
كم مرةً تم تبرير
الارتهان للخارج، بحجة المصالح الوطنية، بينما الحقيقة أن العراق فقد سيادته وصار
ساحةً لتصفية الحسابات الإقليمية؟
أيها السادة النائمون،
هذه الأنظمة لا تعتذر لأنها أخطأت وتسعى إلى التصحيح، بل تعتذر لتخدير الشعوب،
لإقناعهم بأنهم على الطريق الصحيح حتى وهم يغرقون في الفقر والفساد والفوضى. إن
الاعتذار الحقيقي في السياسة لا يكون بالكلمات الجوفاء، بل بالأفعال الجادة،
بالاعتراف بالمسؤولية الحقيقية، بالقدرة على التغيير الفعلي لا التبرير
المستمر.
نحن نحذر من الأنظمة التي تتقن فن الاعتذار
والتبرير أكثر مما تتقن فن الإدارة والحكم، الأنظمة التي جعلت من العراق دولة بلا
مؤسسات حقيقية، بلا سيادة مستقلة، بلا اقتصاد مستدام، بلا أمل حقيقيّ في
المستقبل.
أيها الحضور الغائبون، إن الأمم لا تُبنى
بالوعود الفارغة، ولا تنهض بالشعارات، ولا تُقاد بالأعذار المستمرة. آن الأوان لأن
نقف أمام هؤلاء ونقول: لا نريد اعتذاركم، بل نريد أفعالكم. لا نريد وعودًا جديدة،
بل نريد وفاءً بما وُعِدنا. لا نريد أن نُخدع مرةً أخرى، بل نريد واقعًا مختلفًا،
حيث تكون السلطة خادمةً للشعب، لا سيّدةً عليه.
هكذا يجب ان تكون الكلمة تنبض بالأمل رغم
الألم، وكأنها صوت العقل الصادق وسط ضجيج الخداع. نعم، لا بد أن يبقى العدل هو
الحكم، وأن تُكسر قيود الفشل والفساد التي تسللت إلى العقول قبل الأوطان. لا شيء
يبقى للأبد، وسينجلي الظلام مهما طال، لأن النور يسكن في العقول النبيلة التي ترفض
الاستسلام
عدنان الطائي
تعليقات
إرسال تعليق