من خلق الله؟
من خلق الله؟
سؤال
"من خلق الله؟" هو من أعمق الأسئلة الفلسفية، وقد طُرح عبر العصور من
قبل الفلاسفة والمفكرين. لكن هذا السؤال ينطوي على إشكالية منطقية، لأنه يفترض أن
الله مخلوق، في حين أن مفهوم
الله في الفلسفات التوحيدية (الإسلامية والمسيحية واليهودية) لا ينطبق عليه مفهوم
الخلق. كأننا نشير إلى أن الله ليس كيانًا
محدودًا أو ماديًا يخضع لقوانين الطبيعة أو الزمن. إذن، ماذا يكون الله؟
الله هو وجوده واجب
وليس ممكنًا
الفلاسفة مثل ابن
سينا وتوما الأكويني ميزوا بين نوعين من الوجود:
الوجود
الممكن: مثل البشر والكواكب، وهي أشياء يمكن أن توجد أو لا توجد، وتعتمد على سبب
لوجودها. ووجودها يحمل صفة الجواز.
الوجود
الواجب: هو وجود لا يحتاج إلى سبب، لأنه لا يمكن أن يكون عدمًا، وهو الذي يُفسر
وجود كل ما سواه. فهو يحمل صفة واجب الوجود
الله في هذا السياق هو واجب الوجود، أي الذي
لا يحتاج إلى خالق لأنه أزلي، خارج عن الزمن والمكان، أي الوجود الذي لا يمكن أن
يكون عدمًا، بل هو المصدر الأول لكل شيء. في المقابل، نحن والكائنات الأخرى وجودنا
ممكن، أي أنه من الممكن ألا نكون موجودين، ووجودنا يحتاج إلى سبب. اما الله فهو خارج
حدود الزمان والمكان، لان قوانين السبب والنتيجة تنطبق على الأشياء داخل الكون كما
قلنا، لكنها لا تنطبق على الله الذي هو خارج إطار الزمن والمكان.. كمن نسأل عن
وجوده ما يشبه سؤالنا: "ماذا يوجد في شمال القطب الشمالي؟"؛ فهو سؤال
غير منطقي لأن القطب الشمالي هو النقطة الأخيرة في الشمال. وبعد الشمال فراغ واسع
لا حدود له كما قال العالم الفلكي ستيفن هوكنك عجزنا ان نصل الى حافة الكون حتى
بتنا نؤمن ان هناك رب صانعه.
- الله نور السماوات والأرض (سورة النور 35).. هذه الآية تشير إلى أن الله هو أصل الوجود ومنبع النور، وهو الذي يمنح الوجود للموجودات الأخرى. وهو خالق وغير مخلوق ، لأنه لو كان الله مخلوقًا، فسوف نحتاج إلى خالق له، مما يؤدي إلى تسلسل لا نهائي لها ويضعنا خُطانا في دائرة التسلسل اللانهائي.. إذا قلنا إن لكل شيء خالقًا، فسنقع في سلسلة لا نهائية من الخالقين، وهو ما يسمى بـ التسلسل اللانهائي.. لان التسلسل اللانهائي مستحيل ادراكه عقلاً؛ فلا بد أن يكون هناك خالق أول، لا يعتمد على شيء آخر في وجوده، وهو ما نسميه الله. حتى بات لنا ان نؤمن بصفاته الازلية السرمدية، لا بداية له ولا نهاية. ففي القرآن الكريم، نجد هذا المفهوم في قوله: قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد. (سورة الإخلاص) هذه الآيات تؤكد أن الله ليس مخلوقًا، بل هو المبدأ الأول والغاية الأخيرة.
اذن الله هو العلة الأولى، وهو الذي أوجد كل
شيء دون أن يكون مخلوقًا بنفسه. وسؤالي عمن خلق الله هو سؤال دائري لأنه يفترض أن
الله خاضع لنفس القوانين التي أوجدها، وهو ما يتناقض مع كونه وجودًا أزليًا مطلقًا،
والفلسفة العقلية تقول إنه لا بد من وجود خالق أول لا مخلوق قبله، الا وهو الله. علاوة
الى السردية القرآنية تؤيد ذلك بالقول: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل
شيء عليم (سورة الحديد 3).. هذا يوضح أن الله هو البداية بلا بداية، والنهاية بلا
نهاية. وكذلك هو واجب الوجود في ذاته كما قال الفيلسوف ابن سينا، أي أن وجوده
ضروري. لو لم يكن الله موجودًا، لما وُجد شيء آخر، لأنه المصدر لكل وجود. بينما نحن والكائنات الأخرى ممكن الوجود،
ووجودنا يعتمد على سبب خارجي وكما أسلفنا ان الله متعالٍ عن الزمان والمكان،
لان الله خالق الزمن، فمن البديهي لا يخضع له. ومفهوم الزمن في الفيزياء الحديثة
مرتبط بالكون، فإذا كان الله خالق الكون، فكيف هو يخضع للزمن.
- كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال
والإكرام (سورة الرحمن 26-27).. هذا يدل على أزلية الله، وأن وجوده لا يرتبط بفناء
المخلوقات. بل الله هو الذي يضفي المعنى على الوجود وتصبح الحياة ذات غاية ومعنى
وقيمة ولم تأتِ من العدمية كفلسفة، والمفاهيم مثل الخير والشر، الحق والباطل، كلها
مستمدة من إرادة الله وضعها في هيكلة الكروموسومات أي في خلايا جينية وراثية.
-
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (سورة الذاريات 56).. هذا يوضح أن الغاية من خلق
الإنسان مرتبطة بالله.
اذن الله هو:
- واجب الوجود: لا
يحتاج إلى سبب لوجوده.
- الخالق: أوجد الكون
من العدم ومازال الخلق مستمرا.
- أزلي سرمدي: لا
بداية له ولا نهاية.
- متعالٍ: لا يخضع
لقوانين الطبيعة أو الزمن.
- مطلق الكمال: يمتلك
الصفات المطلقة من علم وقدرة وحكمة.
وأخيرا إن استمرارية الخلق، والتوازن الدقيق
الذي يحكم قوانين الطبيعة، والتناسق البديع في انقسام الخلايا وانتظامها، كلها
شواهد لا تقبل التجاهل على وجود عقل كوني متجاوز، يضفي على الوجود نظامًا متقنًا.
فالعشوائية لا تلد هذا القدر من الدقة، والصدفة لا تفرز انتظامًا مطلقًا يستعصي
على العبث. إن انتظام الظواهر الطبيعية وترابطها ضمن شبكة من القوانين المحكمة يشي
بوجود وعي مبدع يحيط بكل شيء علمًا.
وفي هذا السياق، يصبح السؤال الحتمي: إن لم
يكن هذا النظام العظيم صادرًا عن الله، فمن يكون إذن؟ أي عقل آخر يمكنه أن يضع هذا
البناء المتكامل ويمنحه الاستمرار والانسجام؟ إن الإقرار بوجود الله لا ينبع من
فراغ العجز عن التفسير، بل من تأمل عميق في جوهر الوجود نفسه. فالكون ليس مجرد
مسرح للأحداث العشوائية، بل هو سيمفونية متناسقة لا يمكن عزفها دون مُبدع أزليّ.
ومن هنا، فإن نفي وجود الله انطلاقًا من فلسفة
العدمية لا يصمد أمام الحجة العقلية. فالعدم لا ينتج نظامًا، والفوضى لا تلد
انتظامًا. إنما الحقيقة التي لا تقبل الإنكار هي أن وراء هذا الوجود إرادة واعية،
عقل مطلق، لا ينتمي إلى دائرة الفناء، بل هو أصل الوجود ومصدر المعنى ومعطاء القيم.
عدنان الطائي
تعليقات
إرسال تعليق