القيادة العربية بين التخاذل والانبطاح: لماذا انسحبت الشعوب إلى دوائر الصمت؟
لطالما كانت الشعوب العربية في صدارة الدفاع
عن قضاياها الوطنية والقومية، لكنها اليوم تبدو أكثر انعزالًا وأقل تفاعلًا مع
الأحداث المصيرية التي تمس سيادة أوطانها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فكيف أدى
ضعف القيادات العربية وتخاذلها أمام الأجندة الأمريكية والإسرائيلية إلى هذا
الواقع؟ ولماذا انسحبت الشعوب إلى دوائر الصمت وعدم الاكتراث؟
منذ عقود، تعاني الدول
العربية من أزمة قيادة حقيقية، حيث يفتقر معظم القادة إلى رؤية استراتيجية مستقلة،
ويفضلون التبعية للخارج بدلاً من بناء سياسات وطنية تحقق الاستقلال والسيادة.
وتتجلى هذه الأزمة في عدة جوانب:
- ضعف الإرادة
السياسية: لم تعد هناك مشاريع وطنية أو قومية موحدة قادرة على مواجهة التحديات
الداخلية والخارجية.
- التبعية للمصالح
الغربية: أصبحت العديد من الحكومات العربية رهينة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية،
سواء عبر التحالفات السياسية أو الالتزامات الاقتصادية.
- الفساد والاستبداد:
تحولت الأنظمة الحاكمة إلى سلطات قمعية، تهدف إلى البقاء في الحكم بدلاً من خدمة
قضايا شعوبها.
نعم، هناك عدة دول عربية قامت بالتطبيع مع
إسرائيل بشكل رسمي من خلال اتفاقيات أبراهام التي تم التوقيع عليها بوساطة أمريكية
عام 2020، إضافة إلى دول عربية أخرى لها علاقات دبلوماسية سابقة مع إسرائيل.
1- الدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل عبر اتفاقيات أبراهام (2020 وما بعدها):
- الإمارات العربية
المتحدة 🇦🇪 –
أول دولة خليجية وقّعت على اتفاقية التطبيع، وأقامت علاقات دبلوماسية وتجارية
واسعة مع إسرائيل.
- البحرين 🇧🇭 – انضمت إلى الاتفاقيات وفتحت سفارة إسرائيلية في المنامة.
- السودان 🇸🇩 –
وافق على التطبيع، لكنه لم ينفذه بالكامل بسبب أزماته الداخلية.
- المغرب 🇲🇦 –
أعاد علاقاته مع إسرائيل بعد انقطاع طويل، وحصل بالمقابل على اعتراف أمريكي
بسيادته على الصحراء الغربية.
2- دول عربية أخرى لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل اتفاقيات أبراهام: - مصر 🇪🇬 – أول دولة عربية وقّعت اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979 بعد اتفاقية كامب ديفيد، وتوجد سفارة إسرائيلية في القاهرة.
- الأردن 🇯🇴 –
وقّع اتفاقية سلام عام 1994 بعد اتفاقية وادي عربة، وتوجد سفارة إسرائيلية في
عمان.
3- هل هناك دول عربية أخرى مرشحة
للتطبيع؟
هناك تقارير تفيد بأن
بعض الدول، مثل السعودية، قد تتجه إلى التطبيع بشكل غير مباشر عبر التعاون الأمني
والاقتصادي، لكن دون إعلان رسمي حتى الآن.
4- ماذا يعني التطبيع؟
التطبيع مع إسرائيل يشمل جوانب مختلفة، مثل: - فتح السفارات وتبادل السفراء.
- توقيع اتفاقيات اقتصادية وتكنولوجية.
- التعاون الأمني والاستخباراتي في بعض
الحالات.
5- كيف يخدم التطبيع مشروع "الشرق الأوسط الجديد"؟
تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى دمج إسرائيل في المنطقة عبر تحالفات سياسية واقتصادية، مما يجعل القضية الفلسطينية تفقد مركزيتها في العالم العربي.
خلاصة القول: في الوقت
الذي تتجه فيه بعض الدول العربية والإسلامية نحو التطبيع، يبقى السؤال: هل يمكن
لهذه التحركات أن تحقق السلام العادل، أم أنها تمثل تنازلات جديدة تصب في مصلحة
إسرائيل فقط؟ ام ان أثر التخاذل الرسمي على وعي الشعوب جعل سياسات الحكومات
المنهزمة لم تخلق فقط فجوة بين الشعوب وحكامها، بل ساهمت أيضًا في تراجع الحراك
الشعبي حول القضايا القومية. وقد تجلى هذا التراجع في عدة أشكال:
- فقدان الثقة
بالحكومات: مع تكرار التنازلات والتخاذل، لم يعد المواطن العربي يصدق الخطابات
الرنانة حول نصرة القضايا الوطنية.
- الانكفاء نحو الذات:
بات الهم الشخصي هو الأولوية، حيث يشعر الكثيرون بأن التغيير مستحيل في ظل الأنظمة
الحالية.
- انتشار اللامبالاة:
مع غياب الأمل، أصبحت قضايا مثل فلسطين وانتهاك السيادة الوطنية مجرد أخبار عابرة.
مما دفعت هذه العوامل بالشعوب نحو الصمت، اذ لم
يكن انسحاب الشعوب من الساحة السياسية مجرد خيار، بل كان نتيجة لعدة عوامل ساهمت
في تقييد وعيها وحركتها منها:
- التضليل الإعلامي:
تلعب وسائل الإعلام الرسمية دورًا في تشويه الحقائق وتوجيه الرأي العام نحو قضايا
هامشية.
- القمع الأمني: أي
محاولة للحراك الشعبي تقابل بالاعتقالات والترهيب، مما أدى إلى حالة من الخوف
والركود.
- الأزمات الاقتصادية:
في ظل البطالة والفقر، أصبح تأمين لقمة العيش الشغل الشاغل للمواطن، مما جعله غير
قادر على التفكير في القضايا الكبرى، وبالتالي تم تدجينه.
على الرغم من هذا الواقع، لا يزال هناك أمل في
استعادة الوعي الشعبي وإعادة الروح النضالية إلى المجتمعات العربية، وذلك عبر:
- إحياء الفكر الوطني
والقومي: يجب نشر الوعي بأهمية الاستقلال الوطني والتصدي للتبعية عبر وسائل
الإعلام البديلة والمؤسسات التعليمية.
- بناء تيار شعبي
مستقل: يمكن تشكيل حركات مجتمعية تهدف إلى الدفاع عن الحقوق والسيادة الوطنية دون
الاعتماد على الأنظمة الرسمية.
- تمكين القوى الحية في
المجتمع: يجب دعم المثقفين، والنشطاء، والمجتمع المدني لإيجاد بدائل سياسية
واقتصادية تضمن استعادة الدور الشعبي في صنع القرار.
وبالتأكيد، هناك دول إسلامية غير عربية لعبت
دورًا متباينًا في القضية الفلسطينية، فبينما دعمت بعض الدول هذه القضية سياسيًا
أو ماليًا، اتجهت أخرى إلى التطبيع أو التزام الصمت حفاظًا على مصالحها
الجيوسياسية والاقتصادية.
1- المواقف المتباينة للدول الإسلامية
- دول دعمت القضية
نظريًا فقط: مثل تركيا وباكستان وماليزيا، حيث تعلن مواقف سياسية مؤيدة لفلسطين،
لكنها لا تتخذ إجراءات عملية مؤثرة ضد إسرائيل.
- دول أقامت علاقات
مباشرة مع إسرائيل: مثل تركيا وأذربيجان، حيث توجد شراكات عسكرية واقتصادية رغم
التصريحات العلنية حول دعم الفلسطينيين.
- دول تلتزم الصمت
حفاظًا على مصالحها: مثل بعض دول آسيا الوسطى وإفريقيا، التي تتجنب الدخول في
صراعات دبلوماسية.
2- التناغم الخفي مع إسرائيل
- المصالح الاقتصادية:
بعض الدول الإسلامية غير العربية ترى في إسرائيل شريكًا اقتصاديًا وتقنيًا مهمًا،
خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والطاقة.
- التحالفات العسكرية:
هناك تعاون عسكري بين إسرائيل وبعض الدول الإسلامية، مثل تركيا وأذربيجان، في
مجالات التسليح والتدريب.
- الضغوط الغربية:
العديد من هذه الدول تخشى العقوبات أو فقدان الدعم الاقتصادي الغربي إذا أبدت
مواقف قوية ضد إسرائيل.
3- تأثير هذا التقصير على القضية
الفلسطينية
- عزلة الفلسطينيين
دبلوماسيًا: قلة الدعم الفعلي جعلت إسرائيل تستمر في سياساتها دون رادع.
- تقليل الضغط على
الأنظمة العربية: عندما ترى الدول العربية أن نظيراتها الإسلامية غير العربية لا
تضغط على إسرائيل، فإنها تشعر بأنها ليست ملزمة باتخاذ مواقف قوية.
- تغييب القضية عن
الساحة الإسلامية الأوسع: مع مرور الوقت، أصبح الخطاب الإسلامي يركز على قضايا
محلية بدلًا من جعل فلسطين أولوية إسلامية.
4- هل هناك أمل في تغيير هذا الواقع؟
التغيير ممكن إذا عادت
الدول الإسلامية إلى موقف موحد يدعم القضية الفلسطينية بوسائل عملية مثل:
- تعزيز المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل.
- استخدام الدبلوماسية للضغط في المحافل
الدولية.
- تقديم دعم فعلي للفلسطينيين في المجالات السياسية والاقتصادية.
خاتمة
لقد أدى ضعف القيادات العربية والاسلامية
وتخاذلها أمام الضغوط الخارجية إلى إضعاف الروح الوطنية لدى الشعوب، مما دفعها إلى
الانسحاب إلى دوائر الصمت واللامبالاة. لكن الشعوب ليست عاجزة، وبإمكانها استعادة
دورها إذا توفر لها الوعي، والإرادة، والقيادة القادرة على تحريكها نحو مستقبل
يليق بها. فهل نرى صحوة عربية قريبة، أم أن الصمت سيبقى سيد الموقف؟
إجمالًا، لا تتحمل الدول العربية وحدها
مسؤولية التخلي عن فلسطين، بل الدول الإسلامية غير العربية أيضًا لها دور في هذا
التقصير، وبعضها قد يكون منسجمًا مع إسرائيل في الخفاء.
بالتأكيد، هناك دول إسلامية غير عربية لعبت
دورًا متباينًا في القضية الفلسطينية، فبينما دعمت بعض الدول هذه القضية سياسيًا
أو ماليًا، اتجهت أخرى إلى التطبيع أو التزام الصمت حفاظًا على مصالحها
الجيوسياسية والاقتصادية.
عدنان الطائي
تعليقات
إرسال تعليق