الاقتصاد الهجين في العراق: موازنة بين الريع والإنتاج في ظل هيمنة الطفيليات السياسية

 


ان الوضع الطبقي للمجتمع العراقي هلامي مخرب بفعل السياسة وعليه لا ينطبق عليه فرضية صراع الطبقية الماركسية وتحليله من منظور جدلي يتطلب النظر إلى التداخل بين الاقتصاد، السياسة، والتاريخ، مع أخذ التأثيرات الخارجية والداخلية بعين الاعتبار. وفقًا للمنهج الماركسي الكلاسيكي، فإن الصراع الطبقي هو المحرك الأساسي للتاريخ، حيث تتصارع الطبقات وفقًا لعلاقاتها بوسائل الإنتاج. لكن في العراق، هذا النموذج يبدو غير قابل للتطبيق بشكل مباشر بسبب عوامل معقدة، منها:
1. التشظي الطبقي بدلًا من التماسك الطبقي
في المجتمعات الرأسمالية الكلاسيكية، يتميز الصراع الطبقي بوضوح بين البرجوازية (المالكة لوسائل الإنتاج) والبروليتاريا (العاملة). أما في العراق، فالطبقات غير متجانسة ومخترقة سياسيًا ودينيًا وطائفيًا، مما أدى إلى تشظي الطبقات بدلًا من خلق وعي طبقي موحد.
2. التأثير السياسي في إعادة تشكيل الطبقات
- بعد 2003، تم تفكيك الدولة المركزية، وأصبحت العلاقات الاقتصادية تابعة للنفوذ السياسي والطائفي، مما أدى إلى ظهور "طبقة طفيلية" مرتبطة بالفساد والاقتصاد الريعي بدلًا من الرأسمالية الصناعية أو التجارية التقليدية.
- لم تعد الطبقة الحاكمة تتكون من برجوازية واضحة، بل خليط من أمراء الحرب، قادة الميليشيات، ورجال الأعمال المتحالفين مع السلطة، مما يجعل التناقضات داخلها أكثر من صراعها مع الطبقات الأدنى.
3. الاقتصاد الريعي وتأثيره على البنية الطبقية
العراق يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، مما يعني أن الطبقة الحاكمة ليست مضطرة لخلق اقتصاد إنتاجي قائم على استغلال العمال، بل تعتمد على توزيع الريع للحفاظ على الولاءات السياسية. وبالتالي، فإن العلاقة بين الطبقات ليست استغلالية بقدر ما هي زبائنية، حيث يتم استمالة بعض الفئات عبر الرواتب والامتيازات بدلًا من خلق صراع اقتصادي مباشر.
4. تداخل العوامل الدينية والطائفية مع الطبقية
- الخطاب الطائفي طغى على الخطاب الطبقي، مما أضعف إمكانية تشكل حركة طبقية موحدة.
- بعض الفئات الفقيرة تلتف حول الزعامات الدينية أو الميليشيات، بدلًا من تبني خطاب طبقي تحرري، مما يؤدي إلى انحراف الصراع عن مساره الاقتصادي إلى صراعات هوياتية.
التحليل الجدلي
- نفي الصراع الطبقي بالمعنى التقليدي: العراق لا يشهد صراعًا بين طبقتين واضحتين بسبب تشظي الطبقات وتداخلها مع الانتماءات السياسية والطائفية.
- تأكيد الصراع، ولكن بصيغة جديدة: الصراع قائم، لكنه ليس بين البرجوازية والبروليتاريا، بل بين الطبقة السياسية المسيطرة المستفيدة من الريع النفطي وبين الفئات المهمشة التي لا تستطيع الوصول إلى هذا الريع.
- إعادة تشكيل الطبقات تحت ظروف خاصة: العراق قد يشهد تحولات مستقبلية تفرض نوعًا جديدًا من الصراع الطبقي إذا انهار النظام الريعي أو إذا نشأت حركة وطنية علمانية قادرة على تجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية.
الخلاصة
الصراع في العراق لا يمكن تحليله وفق النموذج الماركسي التقليدي لأنه ليس صراعًا مباشرًا بين مستغِل ومستغَل في الإنتاج، بل هو صراع بين منظومة سياسية طفيلية تستغل الريع والفساد، وبين فئات مهمشة لا تمتلك أدوات وعي طبقي موحد. الوضع الحالي يتطلب إعادة تعريف لمفهوم الصراع الطبقي، يأخذ في الاعتبار تعقيدات السياسة، الدين، والاقتصاد الريعي في العراق. من هنا وفي ظل فشل الاقتصاد الريعي القائم على النفط، وغياب إمكانية تطبيق النموذج الماركسي بسبب تفكك الطبقات الاجتماعية، يبدو أن الاقتصاد الهجين قد يكون خيارًا عمليًا للعراق، بشرط أن يتم تكييفه وفقًا للواقع السياسي والأمني المعقد. الاقتصاد الهجين هنا يعني المزج بين القطاع العام والخاص، وآليات السوق مع التخطيط الحكومي، والاستفادة من الريع النفطي في دعم قطاعات إنتاجية بديلة. لذا الاقتصاد الهجين يمكن أن يوفر مرونة تسمح بإحداث توازن بين التخطيط المركزي والمبادرة الخاصة، مع فرض قيود على الاقتصاد الموازي غير الرسمي الذي تديره الأحزاب والميليشيات، الاقتصاد الهجين هو البديل الواقعي للعراق في ظل تعذر تطبيق النظام الرأسمالي الحر أو الاقتصاد الاشتراكي الصرف. لكن نجاحه مرهون بالإصلاح السياسي، كسر هيمنة الميليشيات، وتوجيه الاقتصاد نحو الإنتاج بدل الريع. بعد استعانة الحكومة إلى دعم دولي وإقليمي لفك ارتباط الميليشيات بالاقتصاد، خصوصًا عبر عقوبات وضغوط دولية على الجهات التي تمولها، واستعادة هيبة الدولة والقضاء المستقل. لذا يجب أن يكون الإصلاح الاقتصادي مدعومًا بإصلاح سياسي تدريجي أو ثورة شعبية مؤسسية. وضرورة فرض رقابة صارمة على الاقتصاد غير الرسمي،من ضمنها تجارة المخدرات وتجفيف منابع تمويل الجماعات المسلحة عبر إصلاحات مالية وإدارية، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لتخليصها من الولاءات الحزبية والطائفية.
عدنان الطائي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العربية واللغات الأخرى: تفوق لغوي أم تأثر متبادل؟

العنوان: بين العقل والعدم: رحلة فلسفية وعلمية لإثبات وجود الله

التقسيم البشري على أساس أولاد نوح: دراسة نقدية